مدونة غلا الروح - Blog

Register

أنت زائر : تستطيع الآن إنشاء موضوع والرد بدون تسجيل ..

 يتم تثبيت التدوينات المميزه والجاده للزوار

العودة   مدونة غلا الروح > مدونات غلا الروح العامه > قسم مدونات عامه خاصه > مدونة الراويه
مدونة الراويه مدونه فلسطينيه تهتم بالكثير في الشارع الفلسطيني ★
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 08:15, PM 09-03-2024   #1
الصورة الرمزية أسامة العيسة

أسامة العيسة

فلسطيني حـر
المشاركات: 264

أسامة العيسة غير متواجد حالياً

افتراضي "رواية نبيلة" ولكن/ يوسف حطيني

مدونة غلا الروح







(1)

رواية"سماء القدس السابعة رواية نبيلة"، تقدّم حكاية مختصرة لشخصياتهاالحكائية، بينما تمدّ جذوراً ضاربة في أعماق التاريخ إلى القدس، بكثير منالاستفاضة، تحكي حكاية المهزوم المأزوم الذي يستعين بالجغرافيا التاريخية فيمواجهة منتصر متفوق يغتصب الحق ويزور المكان ويرقّع سمعته بالانتساب إلى آثارهاونقوشها. إنها رواية تحتفل بالمكان، وتدعونا من خلال حكايتها المبتسرة إلى مراجعةالمسلّمات، ونفض الشعارات التي أثقلت كاهلنا، كما تستحثنا على الانتقال للفعلالثوري الذي سُجن والد السارد من أجله، حتى لا يُستشهد موسى مرتين، وحتى نكونجديرين بالانتماء إلى سماوات القدس.

هيرواية نبيلة إذن، لكنّ نبل المقصد لا يكفي وحده لإنتاج رواية متفوقة، ونحن نحاولفي هذه السطور إبداء وجهة نظر نقدية، تسعى إلى أن تكون محايدة، حول رواية يمسموضوعها شغاف القلب، ويَدخله من مدخل الهوية الوطنية والحضارية التي يسعى أسامةالعيسة إلى تحقيقها، في ظلّ صراع لا يرحم مع مزوّري التاريخ والآثار ووجه الحضارة.

(2)

تتشكلالرواية من ثلاثة أسفار، أولها: "سفر للحياة"، وهو سفر تبدأ حكايته منذروة مشوّقة للقارئ، يلخّصها خبرٌ انتشر في القرية انتشار النار في الهشيم:"السّبع طربَلَ"، ولم يستطع أن يرفع رأسه ورأس أمه أمام عروسته في ليلةالفرح. أما لماذا "طربَلَ" السبع، مع أنه رمز فحولة شباب القرية، فحكايةأخرى تنتثر تفاصيلها على مدى الصفحات، وتنتهي بانتحاره، في سرد مبكّر عن نهايةالرواية، ما يعني أن الأزمة المفتوحة المشوّقة التي تابعها القارئ في البدايةأُغلقت على نحو مبكّر، وكان من الممكن تأجيلها، لا سيما أن هذه الشخصية غنية بمايكفي للإفادة منها حكائياً ورمزياً، في ظل وجود قيادة فلسطينية"مطربِلة"، تعيد إلى ذاكرتنا صورة أبي الخيزران قائد صهريج الموت فيرواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني.

هنايقدّم الروائي بداية حكاية مشوّقة مميزة، تؤرق مجتمع الرواية، وتصلح تماماً لتظلّخلفية لحكاية القدس النبيلة، غير أنّ انتحار السبع المبكر يحرفها إلى مسار آخر،قبل أن يفيد منها على الوجه الأكمل، منتقلاً إلى حكايات تنبت فجأة وسط السرد، ثمّتختفي.

علىأنّ هناك ظلال حكاية ضبابية، ربما كان من الأفضل تظهيرها في السرد، هي حكاية (ذيالكفل ـ كافل) السارد الشاهد على الرواية، فهو يبدأ مستمعاً من أبيه ومن الآخرين،وينتهي متحدّثاً لابنه، لتصبح القدس حكاية تنتقل من جيل إلى جيل: "أرى منمكاني، وأُري ابني، وأنا أشير له، لينظر إلى سفح جبل الزيتون، كنيسة الدمعة، وهوالاسم الشعبي لها، بينما تسمّى رسمياً كنيسة بكاء الربّ"، ص650.

هذاالسياق المهم الذي لم تركّز الرواية على تظهيره جدير بأن يكون خطّاً تبتدئ بهالرواية وتنتهي، بديلاً عن حكاية السبع التي استحقت جدارة البدء وانسحبت خارجالحكاية قبل نهايتها بكثير.

ثمةأمر آخر يثيره السفر الأول من الرواية، وهو يمتدّ على أكثر من أربعمئة صفحة؛ إذ منحقّ القارئ أن يتساءل: أيقدّم هذا السفر من الرواية حكاية القدس نفسها؟ أم يقدّمالقدس من خلال الحكاية؟ يبدو أن أسامة العيسة كان ميّالاً للخيار الأول، ويبدو أنلهذا الخيار تبعاته على البناء الفني؛ لأنه جعل السرد بطيئاً جداً، لا يقدّم فيالصفحات المئة والخمسين الأولى أي تطور حكائي مهم، ونحن هنا لا ننقص من قدر الجهودالبحثية التي قدمها الباحث (نعم الباحث) في تقصّي تاريخ القدس وحاضرها، والحديث عنحاراتها وأزقتها، وجبالها وأوديتها، وأوليائها وأنبيائها، ومساجدها وكنائسهاوزواياها وأسوارها وقبابها وقبورها، بل نجلّ دور هذا الجهد في ثتبيت روايتنا عنالقدس في مواجهة رواية الآخر، غير أننا نَرفُق بالسرد الحكائي الذي لا يحتمل مثلهذه التفصيلات لقارئ ملول سيفتقد دافع التشويق قبل أن يصل إلى محفّز حكائي يعيدهإلى أتون الحكاية، هذا إذا افترضنا أنّ الرواية رواية عن القدس، وليست رواية القدسنفسها.

بعدمئة وخمسين صفحة يعود الكاتب إلى الحكاية التي انفتح عليها السرد، إذ يقول السبع"المطربل" لوالد السارد: "أنا لست عنيناً، لقد جربت نفسي معيهوديات شارع يافا"، ص152، ثم يعود السرد توثيقياً بطيئاً، ليشتد في فصوللاحقة (35، 36، 37)، ثم يعود من جديد بطيئاً، ليوضّح ما بات واضحاً، وهو أن الأبيريد أن يورّث الحكاية للسارد.

وفيالسفر الثاني المعنون بـ "سفر للحزن والحياة"، والذي يمتد على أكثربقليل من مئة وثلاثين صفحة يبدأ السرد باستشهاد مريم التشادية واعتقال الأب بعدإصابته في عملية فدائية نفّذها معها، تبعها هدم البيت، ما يعيد للسرد حيويته،ودفأه، وقدرته على إثارة القارئ: "ترى جدراناً وأسقفاً، وقواطع، وأبواباً،ونوافذ، تكتشف أنك كنت تبادلها التحيات، والعواطف والأشواق، وهي شاهدة على فرحكوحزنك، تنهار بسرعة مرة واحدة، عندما يضغط أحدهم على أزرار التفجير، فلا ترى منهاسوى الغبار الأبيض"، ص441.

ويبدولنا أن السفر الثاني (سفر للحزن والحياة) أقرب الأسفار الثلاثة إلى الانخراط فيالقالب الروائي الطويل، إذ ثمة أحداث فارقة، فاعتقال الأب يجبر زوجته على العمل،فتعمل في تنظيف منازل اليهود، ثم في منزل العرعور الذي آل إلى مؤسسة إسرائيلية، ثميؤدي إلى ظهور ملثمين يقتلون زوجته في شبهة ظالمة، ما يحرّك السرد نحو احتمالاتجديدة.

أماالسفر الثالث الذي يساوي السفر الثاني في عدد صفحاته تقريباً فقد حمل عنوان"سفر للبقاء والحزن والحياة"، وظهر فيه أربعة أطفال يصنعون سهاماًليقتلوا حارس العين اليهودي انتقاماً لاستشهاد الطفل موسى، ثم يقضون شهداء إثرانفجار غامض دبّره الاحتلال. وتمضي الحكاية معتمدة على وسيط الرسائل التي كتبتهالورا لتغطّيَ فراغ فترة زمنية قضاها السارد في لندن للدراسة، ولم يقرأها إلا بعدعودته، وهو سفر يقوم بوظيفته البنائية، ويغلق الدوائر التي تمّ فتحها سابقاً.

(3)

تكادهذه الرواية تشبه حكاية ألف ليلة وليلة من حيث تداخل حكاياتها الفرعية، بعضهاببعض، فلا نكاد ندخل في حكاية حتى نخرج منها: حكايات متفرقة، تجمع بينها القدس،فتشتت انتباه القارئ الذي يلهث وراء حكاية تائهة للسبع "المطربل"، والأبالذي يريد الدفاع عن هويته بالسرد.

وإذاكانت حكايات ألف ليلة وليلة تسردها شهرزاد واحدة، فإن حكاية القدس (التي تقع فيخلفية حكاية الرواية)، تسردها شهرزادات متعددة، بدءاً من الأب الذي يتكئ على مايصادفه بصره، أو ما يعنّ له خلال حديث، ليحكي جزءاً من الحكاية التوثيقية، أو منحكايات الذاكرة القريبة، دون داعٍ سردي، على نحو ما نرى في السياقات التالية:

•"وانتقل والدي ليواصل حديثه عن وادي جهنم"، ص107.

•"قال لي: انظر تلك كنيسة الجثمانية، دقق النظر في أعمدتها وواجهتها ورسومها،انظر للأعمدة الوردية المبهرة الأكثر اكتمالاً وجمالاً، تخيّل كيف حفّهاالحجارون"، ص108.

•قال والدي: "انظر على امتداد الوادي: سترى أضرحة ومغارات وكهوفاً استخدمتللدفن. أترى الأضرحة الثلاثة؟ إنها أضرحة ذات أشكال غير مألوفة في فلسطين، ولكنهامبهرة"، ص148.

•"خرجنا من القبة، وودع والدي الشيخ عبد رب النبي، معتذراً عن أي إزعاج،وانطلقنا، وهو يقول: الآن إلى وادي حلوة"، ص180.

•"استغربت الاسم حِطّة، يُطلق على أحد أبواب الأقصى، فكان جواب والدي حاضراًكأنه يتوقعه: قال الله لبني إسرائيل "ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواحِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ"، ص175.

•"أشار والدي إلى نتوء كبير في جدار، يشبه الشباك، قائلاً: هذا سبيل آل قطينة،على اسم العائلة التي تسكن تلك الدور، بجانب بوابة ماندلبوم"، ص73.

•"تشجّع والدي، وأكمل السير شمالاً باتجاه مقام الشيخ جراح، القائد الذي عملتحت إمرة صلاح الدين الأيوبي"، ص74.

•"بعد صمت الرشاشات وسيطرة العصابات الصهيونية على الأحياء العربية فيما سيعرفبالقدس الغربية أسس جدي الذي أصبحت بارودته عاطلة عن العمل مجموعةً كانت تتسللبشكل دوري إلى أحياء قريبة مثل تل بيوت والطالبية والثوري والبقعة"، ص26.

•"في طريق العودة سمعت من والدي حكايات عديدة عن فلسطين وعن النكبة والنكسة،وعن جدي الثائر"، ص42.

•"عندما وصلنا حلحول قال والدي بأنه سيحكي لي حكاية القط الذي ناوش السماء"،ص43.

ربّماعليّ أن أعتذر للقارئ الكريم عن الإطالة في هذه الاقتباسات التي لا تشكّل إلامجرّد إشارات لجزء يسير جداً من حكايات الأب التي يتضمنها النص الروائي. كما إنّللأم نصيباً في الحكايات التي يتلقاها السارد، فهي تحكي له حكاية الدجاجة ص94،وحكاية نبي الله سليمان، ص ص 96ـ98، وص388، وغيرهما، وقد يتناوب الوالدان علىحكاية واحدة على نحو ما نرى في ص275، فالحكايات التي تقع خارح السرد في هذهالرواية قدرٌ مفروض على أسرة السارد، وتتجاوزها إلى معارفها، فها هي ذي لور تحكيعن توابيت مرمية ورسومات في القصر، ص337، وعن القصر الشتوي للخليفة الأموي الوليدالثاني بن يزيد، ص412، وعن قرية نصف جبيل:

"ـتساءلتُ: نصف الشمس؟

•قالت ضاحكة: نحن هكذا نسمي قريتنا، أجدادنا أخبرونا بأن جبيل تعني في اللغاتالقديمة الشمس، ولأن منازلنا تقع على مجموعة من الينابيع الطبيعية على سفوحالجبال، فإن الشمس تشرق عليها في فترة متأخرة وتغيب في فترة مبكرة، يعني لدينا نصفشمس فقط"، ص256. كما يتحدث أبو روحي عن سور القدس ص90، وعن مريم العذراء،ص235، ويقول: ""كل منا عليه أن يكتشف مكانه، ويعرف قدسه، ولكل مناقدسه"، ص88، بينما يحكي الشيخ نعيم حكاية طحّانة خُرسا، ص38، حتى السبعالمطربل ذاته، يتدخل في حضور الدليل السياحي النصرواي، ليقول: "اسمها ليس فقطعين ستنا مريم، ولكن أيضاً: عين أم الدرج، وعين جيحون وعين سلوان، ومثلماتقدّسونها، نقدّسها نحن، فهي تأخذ قوتها من حقيقة أنها تختلط مرة في العام بمياهزمزم"، ص213ـ 214، كما إن المختار يسهم بقدر من السرد التوثيقي، ص286، مثلمايفعل كوهين، ص342، وجورجيت، ص316، و490، ومانويل، ص423، حتى لتكاد كل شخصية منالشخصيات الثانوية والطيفية تقدّم حكايتها في هذا الاستعراض الثقافي المرهق.

هاهنا تبدو الشخصيات ساردة للتاريخ أكثر من كونها محرّكة للسرد، خاصة في السفر الأولمن أسفار الرواية، وكل ذلك ليحقق الأب هدفاً واحداً: "أريده أن يكبر بسرعة،ويصبح رجلاً"، ص55.

(4)

تبدولغة الروائي في المقاطع السردية التي تنتمي للحكاية الأصلية موفقة وجميلة وشاعريةوذات طابع تحفيزي، إذ يرتفع مستواها الوظيفي حين تتحدث عن اليهود يتحسسون عضلاتالعمال العرب الذي يستأجرونهم للعمل في المستوطنات، كما تتجلى في أبهى صورها حينيحكي السارد عن استشهاد موسى ومريم التشادية، وحين تطلق أم السبع زغرودة بمولودقادم (هو السارد نفسه)، "فالفرح في عائلتنا مقتنص، ولا يعرف أحد ماذا يخبّئالغد"، ص13، وحين تطوّق دورية من جيش الاحتلال العرس الثاني للسبع "كانتدورية من جيش الاحتلال تطوق المكان، مثلما فعلت خلال عزاء موسى، تحسباً لشيء لاأعرفه"، ص203

كماتحلّق اللغة حين تصطبغ بالبيئة الشعبية، وتُستخرج من معجمها (كالطبلية، والبجم والمطربل،والزبال، والغازيّة)، وحين يكتب الشيخ نعيم حجاباً، وحين تلوم أم السبع زوجة ابنهاعلى "طربلته"، "فعلى البضاعة أن تعرف كيف تتصرف وتتغنج وتتقوسوتتدلع"، ص21، وترقص تلك اللغة وتدبك مع أبي طلعت الذي يغني في العرس الثانيللسبع، من باب اقتناص الفرح:

"يازريف الطول وشوفوا يا بَشَرْ/ يا محلا دبكتنا مقاهرة وجَكَرْ

ومانخاف الجنود وما نخشى الخطر/ نحنا فلسطينية وهايِ أرضِنا، ص204

نودأن نقول: إن اللغة تسمو وتعذُب عند الروائي القادر على تطويعها حين يتخذ قراره بأنيكون روائياً، ويصوّر المشاهد السردية ذات الصلة الوثيقة بالحكاية الأصلية. أماحين يلبس لبوس الصحافي أو الباحث فإن اللغة تتجه عنده نحو المباشَرة، فنقرأ سياقاتسردية، مثل قول عازار: "يا أستاذ عارف، أنا أعرف أنك مطلع عارف ومثقف، أيةأرض وقفية تتحدث عنها؟ وهذه الأرض كلها منحها الرب لشعبه المختار"، ص224.

ومثلالحوار التالي الذي يجري بين شارلي وأبي روحي:

"ـأنتم مواطنون في القدس الموحدة، صحيح بأنكم مصنفون كمقيمين، ولكننا جميعاً تحتإدارة بلدية واحدة، ويمكن أن نعمل معاً من أجل مصلحة فقرائنا وفقرائكم.

ـبلديتكم بلدية احتلال، فقراؤنا يريدون التخلص من الاحتلال، وفقراؤكم يريدونالاستفادة من الثراء الذي يجلبه الاحتلال"، ص102.

ربماكانت هذه الرواية من أفضل المراجع التوثيقية التي كتبت عن القدس، وربما يجد منيقرؤها بصبر الباحث الكثير من المعلومات التي نواجه بها رواية الآخر. لكنّ القارئالذي يبحث عن الحوافز السردية المشوقة لن يجد منها إلا القليل الموزّع على مساحةالنص التي اقتربت من سبعمئة صفحة.
مدونة غلا الروح

إضافة رد
يشاهد التدوينه الآن   1 زائـر

مدونة=== (( دع مواضيعك وردودك بالمدونه تعبر عن شخصيتك الجميله )) ===مدونة



تاريخ اليوم AM 22-12-2024

الدعم الفني - 2023    

Powered by Blog glaroh.com . المدونه