06:12, PM 03-01-2024
|
#1
|
فلسطيني حـر
|
أسامة العيسة يحلّق بنا إلى سماء القدس السابعة!/بديعة زيدان
مدونة غلا الروح
هيبانوراما سردية تقدّم صورة شاملة حول القدس، ليس فقط في الفترة التي تلت حربحزيران 1967، أي ما بين سبعينيات ومنتصف تسعينيات القرن الماضي، رغم محوريتهازمنياً، بل تعود بنا إلى عقود وأحياناً إلى قرون سبقتها، ففي روايته الأحدث"سماء القدس السابعة"، الصادرة عن منشورات المتوسط في إيطاليا، يقدّمالروائي الفلسطيني أسامة العيسة، حكايات فسيفسائية بجمعها تتحوّل إلى مرجع معرفيّ أيضاً،وهي حكايات يسردها الأب "شامان"، ويعمل سائقاً في حي المصرارة بالقدس،لطفله "كافل" الذي بدوره يقوم بمهمة سرد تلك الحكايات للقرّاء.
واستهلالعيسة روايته بسرد حكاية حول "السبع المطربل"، ذلك العريس صاحب الصولاتوالجولات، والذي لم يعد "سبعاً" بعد الزواج الذي تكرّر في محاولاتلإثبات قدراته، فيعمّ النبأ أرجاء القرية التي يمكن الاستدلال على أنها"سلوان"، الحي الشهير داخل القدس، ليتدخل شيخها بصناعة حجاب له.
ولعلهذه البداية تؤكد انعكاسات الهزائم المتتالية للجيوش العربية، والفدائيينالفلسطينيين الذي استمروا بالنضال، على دواخل المهزومين بشكل مباشر، أو العوامأيضاً، فهذا "السبع" في الميدان، ليس هو كذلك في الحيز الذي يجمعهبزوجاته، الواحدة تلو الأخرى.
لميترك العيسة شاردة أو واردة إلا وتحدث عنها، متيحاً لكل من "كافل"و"شامان" مساحة كبيرة تمتد على قرابة السبعمائة صفحة، لسرد حكاياتالقدس، فنرى النكبة حاضرة، خاصة في المدينة المقدسة، "بعد صمت الرشّاشات،وسيطرة العصابات الصهيونية على الأحياء العربية فيما سيعرف بالقدس الغربية"،لنعرف أن جدّ "كافل" الذي "أصبحت بارودته عاطلة عن العمل"،يؤسس مجموعة كانت تتسلل بشكل دوري إلى أحياء قريبة مثل: تل البيوت، والطالبيّة،والثوري، والبعقة، "فلم تكن دولة الاحتلال الجديدة، قد تمكّنت من فرض سيطرةحاسمة على الحدود الجديدة، التي بدت مفتعلة واعتباطية"، فيما قَتل والدهورفاقه يهوداً، و"كانوا يعودون بعد كل تسلّل بغنائم".
ويعود"كافل" إلى ذاكرة والده للحديث عن مقارعة جدّه ورفاقه للإنكليز، حدإعدام بعضهم، "فلم يكن الإنكليز يتساهلون مع أي شخص يجدون معه ولو رصاصة، كماحدث مع عمّه"، وكيف "توسّعوا في هدم المنازل، ومنح الأراضي للكيبوتساتاليهودية، أو تسهيل الحصول عليها، لتستوعب المهاجرين اليهود، الذين أتوا إلىبلادنا من دول العالم المختلفة"، أو حكاية "القط"، وهو الفلاحالبسيط حسين أحمد القط الذي لمح طائرة تحوم في الأجواء، فرفع مقصاً كان بحوزته،وكأنه يمازح الطائرة، الأمر الذي لم يرق لجيش الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنهاالشمس، فأعدموه.
وفيرحلة الابن وأبيه عبر الجغرافيا الفلسطينية، كان السارد ينقل لنا ما كان يضخه لهوالده من حكايات حول المعمار والسكان وشيء من تاريخهم غير المؤرّخ في الكتب، بحيثكان "شامان"، ما إن يمرّ برفقة "كافل" في منطقة ما حتى يقصعليه حكاية تتعلق بها، كحكاية تلك الدار الحجرية التي تعرف بـ"داراليهود" حين مرّا بمخيم الدهيشة، وكيف تم تفجير قافلة تضم مدرعة وجرافة كاسحةللألغام في عام النكبة، أو حكاية "خليل" بائع الحليب في"أرطاس"، وكيف انتقم ورفاقه ممن رسموا الصليب على صدورهم بقيادة"برزق"، لينتقموا لمقتل سيدة وكلبها وحمارها بتفجير القافلة التي تسببتبذلك بقنابل، أو حكاية منزل عائلة برامكي لصاحبه أنضوني برامكي، ومقام الشيخجرّاح، سارداً كيف تم طرد سكان المنازل من الحي الذي حمل اسم المقام، وإحلالالمستوطنين اليهود فيها بالقوة.
ومعتقليب الصفحات نتعرف على العائلات العربية التي استقرت في القدس، وبعدها بداياتمحاولات السيطرة على الأحياء القريبة من المسجد الأقصى، ومن ثم حكاية السلم الخشبيلكنيسة القيامة، الذي تعتبره كل طائفة رمزاً لها.
ولمتغب رائحة كعك القدس عن سردية سمائها السابعة، بحيث "اختلف المفسّرون فيتبرير تميّز كعك القدس عن مثيله في مدن فلسطينية، ورجّح بعضهم أن يكون السبب هوالماء الذي يُعجن به الكعك، ويمنحه الطعم، لكن آخرين خصوصاً الخبّازين" يرونأن السبب "هو خبرة قرون في التعامل مع العجين".
ونواصلالرحلة السردية العيسيّة برفقة "كافل" و"شامان"، فنتعرف علىبركة القدس، ومن خلال شخصية "مريم" التشادية التي قاتل جدها المستعمرينالفرنسيّين، ليكمل نضالاته مع الحاج أمين الحسيني، وأفارقة المدينة المقدسة، والتيأشارت إلى كونها تجد نفسها "دائماً مضطرة للشرح.. نعيش نحن أفارقة القدس فيالربع الأفريقي في باب المجلس أو باب الناظر، في مبنيَيْن قديمَين متقابلَيْن،بنيا زمن المماليك، هما الرباط المنصوري والرباط البصيري، ولطالما استقبلا خلالتاريخها الممتد صوفيّين، وطلاب علم، وعسكريّين، لكن العثمانيّين في أواخر عهدهمبالقدس حولوها إلى سجنَيْن".
وتكشفالرواية تنفيذ "مريم" برفقة "شامان" عملية تفجيرية أسفرت عنإصابات دون سقوط ضحايا، فقُتلت الأولى واعتقل الثاني بعد إصابته، ما اضطر والدة"كافل" للعمل في بيوت عائلات يهودية، قبل العمل في منزل"العرعور" على طريق القدس الخليل، والذي صار يعرف باسم"تحتنا" ليختفي بالتدريج اسمه الأصلي.
ونمرّأيضاً على منزل "بن يهودا" مخترع اللغة العبرية، وقصر الإمبراطورةالإثيوبية "تايتو بيتول" التي بنته في القدس لاستخدامه من قِبل كهنةبلادها والحجاج الآتين من أثيوبيا إلى المدينة المقدسة، واستخدمه الوالي العثمانيمقراً له، وفي عهد الاحتلال البريطاني أصبح مقراً لهيئة الإذاعة البريطانية،وتشغله الآن مؤسسة سلطة الإذاعة الإسرائيلية، فـ"الاحتلال يرث الاحتلال،والراديو يرث الراديو".
وخلالجولاته السردية والفعلية، تظهر شخصية صديقته "لور" المسيحية، وتعودأصولها إلى قرية "نصف جبيل" شمال غربي نابلس، وتقيم مع جدها بعد استشهادوالدها، فنتعرف أكثر على القدس التي كانت عابرة للقوميات والأديان، ليحدثنا عن عددمن دور السينما، ومتحف الشمع، ومكتبة المعطي، ومتحف روكفلر وكان يعرف باسم"المتحف الفلسطيني"، وغيرها الكثير.
ولمتغب عن صفحات "سماء القدس السابعة" حكايات عن قدوم يهود مصر ويهود اليمنإلى فلسطين، قبل أن يحدثنا عن البدو الفلسطينيين، خاصة عشيرة الجهالين التي تعودأصولها إلى "بئر السبع"، واستقر عدد من أفرادها في "الخانالأحمر".
ويأخذنا"كافل" في رحلة إلى مقام النبي موسى، متحدثاً عن معماره الفريد، وموسمهالشهير، ومركز "الفطام" عن المخدرات، وأغلقته سلطات الاحتلال، ما حالدون إكمال "السبع" فترة تعافيه من الإدمان، وفي هذا إحالة أخرى إلىمآلات العرب وجزء من الفلسطينيين، جرّاء الهزائم المتواصلة.
وفيأسفار الرواية الملحميّة الثلاثة: "سِفرٌ للحياة" في ست وسبعين حكاية،و"سِفرٌ للحزن والحياة" في ست وعشرين حكاية، و"سِفرٌ للبقاء والحزنوالحياة" في حكايات يماثل عددها سابقه، ينتهي بنا العيسة زمانيّاً إلى مطلعالألفية الثالثة، حيث توقيع اتفاقيات "أوسلو"، وقيام السلطة الفلسطينية،وإرهاصات انتفاضة الأقصى التي عرفت بالانتفاضة الثانية، في حين لم تكن قد غابت انتفاضةالحجارة في العام 1987 (الانتفاضة الأولى) عن "سماء القدس السابعة"،التي لا تنتهي الحكايات فيها، فـ"ما زالت، طاحونة القدس تطحن"!
https://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?...01045Y166f6c95مدونة غلا الروح |
|
✿ |
|