04:27, PM 05-10-2024
|
#1
|
فلسطيني حـر
|
العيسة في "حديث الألف": رواية التاريخ بوصفه وجهة نظر/ محمد هديب
مدونة غلا الروح
تُشير عناوينالروايات السبع التي كتبها الروائي الفلسطيني أسامة العيسة منذ 2010 دائماً إلىاسم المكان، الأمر الذي لا ينطبق على مجموعاته القصصية منذ 1984، وبما يجعل هذهالعناوين مفاتيح مبنى سردي ضخم، يعمره الكاتب بالتاريخ والتخييل الخاصَّين بروايةالعاديين لا المنتصرين.
يحاول العيسة ويجرب.قد ينجح وقد يفشل، كما قال في ندوة "حديث الألِف" الثقافية التياستضافتها "مكتبة ألف" التابعة لمجموعة "فضاءات ميديا"، مساءأول أمس الأربعاء، بيد أنه سيواصل ما يسميها "الكتابة المنحازة" بدلكلمة "الالتزام" الممقوتة كما خبرها بسبب إذعانها الأيديولوجي، بينما هويرى ناسه المهمشين الأقرب لتمثيلهم في المتن الروائي.
ولأن الكاتب هو صورتهالمعلنة عبر الإصدارات المكتوبة، يخبرنا العيسة أن رواياته السبع منذ 14 عاماًالتي آخرها وأضخمها "سماء القدس السابعة"، هي فقط المنشورة، بينما لديهروايات مخطوطة منذ منتصف الثمانينيات، لكنه لم ير ضرورة لنشرها حتى الآن،"لأن النشر مسؤولية"، ولربما يقع ذلك مستقبلاً.
ولا نعرف المدارالتاريخي والمكاني والسردي لروايات كُتبت قبل قرابة الأربعين عاماً. نعرف فيالمقابل أن الكاتب قرر في عام 2010 إصدار روايته الأولى "المسكوبية"،وهي تحكي عن السجن المسمى "المسلخ"، والذي سيق إليه العيسة معتقلاً فيآذار/ مارس 1982.
وربما يجوز القول إنهبعد نضوج خياره الروائي عرف كيف يستثمر زمنه الشخصي ووجوده اليومي الممض تحتالاحتلال، الذي قال إن مجرّد أن تنام ليلة تحت أي احتلال إنما هو جريمة، وباتبإمكانه أن يكابد السرد على طريقته، بأن يخلق روايته دون أن يضطر إلى دخول المكانالفلسطيني من بوابة الروايات الكبرى.
يفسر العيسة، رداًعلى سؤال لمديرة الندوة الروائية اللبنانية هالة كوثراني، بالقول إن لكل إنسانقدسه، و"أنا لي قدسي"، لدى التعريج على رواية "سماء القدسالسابعة". وبهذا المعنى فهو ضد ما يسميه "تأميم الرواية"، إذ يطالبفريق من الناس كتابة سردية مقابل سردية الاحتلال، والحال أن مكاناً كمدينة القدسهو مكان نصّي وحكائي مبني على التثاقف منذ خمسة آلاف عام.
تظهر هذه المنمنماتالمشكّلة لوعي بعيد وما زال مستمراً بما يقدّم دليلاً على وجود الفلسطيني الحيالذي ورث هويات وثنية ويهودية ومسيحية وإسلامية، يحاول المنتصرون محوها، بيد أنمكر التاريخ يجعلهم دائماً يفشلون.
وُلد أسامة العيسةعام 1963 في مخيم الدهيشة جنوبي شرق بيت لحم من أبويين لاجئين من قرية زكرياالواقعة على الهضاب الوسطى بين القدس والخليل. وفي المخيم الواقع بين مثلّث المدنالمقدّسة: القدس وبيت لحم والخليل، بدأ الاشتباك مع الاحتلال مبكراً حيث غالبيةالسكان من أعمار مختلفة تعرضوا على الأقل للاعتقال.
وقبل عام ونصف كانتآخر تجربة اعتقال حين دهم الاحتلال بيته بحثاً عن ولده، ولم يجدوه، فاعتقلوه بدلاًمنه. ومن هذا الوجود للمكان الممحو أو المهدَّد بالمحو، جاءت كُتب العيسة فيالرواية والقصة القصيرة والبحث التاريخي، مسكونة بهاجس أنسنة المكان الذي قال إنكلا تضمن أن يكون هو بعد قليل.
ولكي يعيش سرداًمفتوحاً على الحياة المضيَّق عليها بشدة، ينبغي أن يحضر البشر ببساطة لأنهم مهددونبالفناء الدموي أو الرمزي، حتى المحتلون لا يفضل أن يعطيهم صفة الأنوف المعقوفةوالآذان الطويلة، بل يريد بحسب وصفه "بشْرنة" كل واحد منهم، ومن ضمنهممدير السجن، الذي استشهد تحت إدارته معتقل فلسطيني، نُسي في بِركة الثلج.
لا بل رأى أن علىالكاتب اجتراح دروب للكتابة عن المناضل بوصفه إنساناً رغم صعوبة هذا في المجتمعالفلسطيني، ملاحظاً أن الكتابة بعد المشروع الأوسلوي عرفت طبيعة فردية جداً"ربما عدمية"، بينما بدأ المشهد الفلسطيني يتعافى منذ عشر سنوات عبرروائيين جدد من خارج منظمة التحرير الفلسطينية وإطار سلطة لم يكن لديها مشروعثقافي أو اجتماعي، كما يصف. وهذه كتابة يراها في أبرز ملامحها مجتهدة في البحثوالحفر.
الحراك الروائي عندهإذاً، يحتاج إلى معول معرفي. لقد تعلم ذلك مبكراً حين جاء الشاعر خليل زقطان (1928- 1980) أصيل قريته المهجرة زكريا، وبات لاجئاً في مخيم الدهيشة فأسس فيه مدرسة،ثم كبر الفتى مستلهماً أدبيات الأحزاب القومية واليسارية.
حين كان عمره 21 سنةأصدر أول أعماله، وكانت مجموعة قصصية بعنوان "ما زلنا نحن الفقراء أقدر الناسعلى العشق" عام 1984، وبعد عام القصة الطويلة "الحنّون الجبلي"، ثم"انثيالات الحنين والأسى" عام 2004، وفي عام 2017 "رسول الإله إلىالحبيبة".
وهي جميعها ذاتعناوين من الشعر الرومانسي لا يقلل من أهميتها، إلّا أن المسار الروائي منذ 2010رسّخ حضور الكاتب خارج فلسطين، ليس بسبب حصوله على "جائزة الشيخ زايد"عن روايته "مجانين بيت لحم" عام 2015، ودخوله القائمة القصيرةلـ"الجائزة العالمية للرواية العربية" عن روايته "سماء القدسالسابعة" عام 2024، بل لأنه نجح في تشييد عمارة سردية قضى سنوات شاقة منالقراءة والكتابة اليومية، حتى حظيت بالاعتراف والتقدير.
أصدر الكاتب في عام2010 رواية "المسكوبية"، ثم "مجانين بيت لحم" في 2013، و"قبلة بيت لحم الأخيرة" في 2016، و "وردة أريحا في 2017، و"قطبئر السبع" في 2017، و"جسر على نهر الأردن" في 2018، و"سماءالقدس السابعة" في 2023.
استمع جمهور الندوةإلى مَقاطع من روايات العيسة قرأتها أماني بن خليفة، المذيعة في "التلفزيونالعربي"، واختتم الحوار بينه وبين المقدمة، ليجيب عن أسئلة الحضور، ومن ذلكمطالبته بتوضيح عبارته التي تفيد بأنه لا يحب الروائيين الهواة. وكانت هذه مناسبةللقول إن الهواة لديهم غرور مصحوب بالاستسهال، وكما يستدرك دائماً ويستعمل كثيراًكلمة "ربما"، قال إنه هو "ربما ضحية استسهال ما".
غير أن الفكرةالأساسية التي ينادي بها هي أن الأدب "صناعة ثقيلة"، ينبغي أن تكونمنتجاً جماعياً من الكاتب والمحرّر ومصمم الغلاف، لأنه ينبغي احترام القارئ وتطويرذائقته الأدبية والبصرية.
لكل رواية عندهمغامرتها وشكلها ومنطقها الخاص، ولذلك يتساءل ما دامت هي على هذا النحو، لم لانكتب نصوصاً وينقحها آخرون ويقترحون ما يمكن شطبه أو إضافته. وفي المقابل لماذايترفّع الكتّاب عن تقوية لغتهم العربية إذا كانت ضعيفة عبر الانخراط في دروسودورات؟
للكاتب المعروف بأنهمشّاء مثابر رأيٌ في الكتابة عن المكان الذي قد يكفي أن يكون سجناً ضيقاً أو أزقةعليه أن يتأكد من معرفتها حتى يكتبها بأصالة. وهنا قال إنه أكثر من مرّة كان يعيدمشاويره على قدميه حتى يعاين بمشاعره ما يمكن أن يجعل الكتابة تمثيلاً للمكان الذيقد يتغير.
وهو يكتب في التاريخالمهمّش لا يتركه دون بحث مضنٍ في المراجع التاريخية والأرشيفية والمرويات. وهوبهذا لا يكتب رواية تاريخية، بل يرفض تسمية روايات جرجي زيدان بالتاريخية. البعضمما كتب في هذا السياق، وهو قليل كما يلاحظ، يجوز تسميته بالرواية التسجيلية. أما التاريخفعنده دائماً هو وجهة نظر.
https://www.alaraby.co.uk/culture/%D...86%D8%B8%D8%B1مدونة غلا الروح |
|
✿ |
|