08:59, PM 12-11-2023
|
#1
|
مدون مجتهد
المشاركات: n/a
|
قبض العلم انتشار الجهل - علامات الساعه
مدونة غلا الروحقبض العلم انتشار الجهل
p العلامة الأولى : قبض العلم i
وهذه العلامة جاء ما يشرح المراد بها في أحاديث أخرى منها :
/ - عن أَبي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : } لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ . { ([1])
/ - عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : } إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا { ([2])
شرح :
الحديث صريح في بيان كيفية قبض العلم ، وذلك بقبض العلماء ، والأصل أن العلم يتوارث إذا بقي في الأمة الاستعداد لحمل تبعات الرسالة ، لكن إذا فسد حال الناس وزهدوا في طلب العلم وتحمل تبعاته ، وانحصر العلم في حملته فقط ، فإنه يترتب على ذلك أن قبض كل عالم في ذلك الزمان إنما هو قبض لعلمه ؛ لأنه لم يتحمله عنه غيره ، وبقبض العلماء في زمان يزهد الناس فيه في طلبه يقبض العلم ، ويستقر أمر الفتوى –وهي أعلى مراتب العلم (_ ) – بيد الجهال ، فيكون على يديهم ضلال الناس .وقد ورد في أثر عن الإمام أحمد والطبراني عن أبي أمامة أن النبي r إنما قال ذلك في حجة الوداع وفيه : « لَمَّا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ r وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُرْدِفٌ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى جَمَلٍ آدَمَ فَقَالَ: } يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَقَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ .. فَقَالَ أعرابي لَهُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ! كَيْفَ يُرْفَعُ الْعِلْمُ مِنَّا وَبَيْنَ أَظْهُرِنَا الْمَصَاحِفُ وَقَدْ تَعَلَّمْنَا مَا فِيهَا وَعَلَّمْنَا نِسَاءَنَا وَذَرَارِيَّنَا وَخَدَمَنَا ؟ قَالَ : فَرَفَعَ النَّبِيُّ r رَأْسَهُ ، وَقَدْ عَلَتْ وَجْهَهُ حُمْرَةٌ مِنَ الْغَضَبِ . فَقَالَ : أَيْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ! هَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَيْنَ أَظْهُرِهِمُ الْمَصَاحِفُ لَمْ يُصْبِحُوا يَتَعَلَّقُوا بِحَرْفٍ مِمَّا جَاءَتْهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ . أَلَا وَإِنَّ مِنْ ذَهَابِ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ ثَلَاثَ مِرَارٍ . { ([3])
فالأثر السابق يبين لنا أهمية بقاء حملة العلم في الأمة ، وفيه بيان أن بقاء العلم في الكتب لا ينفع مع فناء العلماء الذين يبينون المراد منه ، وقد جاء في أثر آخر ما يشير إلى أن قبض العلم أحد أسباب ثلاثة لضياع الأمة و تنكبها عن صراط الله سبحانه وتعالى ، وعن نهج الشريعة ، فعَنْ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قال : } لَا تَزَالُ الْأُمَّةُ عَلَى الشَّرِيعَةِ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا ثَلَاثٌ مَا لَمْ يُقْبَضِ الْعِلْمُ مِنْهُمْ ، وَيَكْثُرْ فِيهِمْ وَلَدُ الْحِنْثِ ، وَيَظْهَرْ فِيهِمُ الصَّقَّارُونَ . قَالَ : وَمَا الصَّقَّارُونَ أَوِ الصَّقْلَاوُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : بَشَرٌ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ تَحِيَّتُهُمْ بَيْنَهُمُ التَّلَاعُنُ . { ([4])
وأرى أن هذه العلامة – أي قبض العلم - بهذا الشكل قد تكون بعد عيسى r ، حيث يبدأ الأمر بالانحسار ، فتكون أول علاماته قبض العلماء ، ثم رفع القرآن ، ثم غياب رسم الدين من حياة الناس ، فلا يبقى من يقـول لا إله إلا الله ، أو يقول الله ،
عندها تقوم الساعة .
ويحتمل أن يراد بها ما نعيشه الآن ، أو في الزمان الماضي القريب من ندرة العلماء الربانيين ؛ وإن كان قد كثر من ينتسب لعلم الدين ، ولكن قليل منهم من اتضحت معالم الرسالة لديه ، وحدد هدفه من علمه ، وهو ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى ، والدار الآخرة ؛ وغياب هذا الهدف عند من يحمل علم الدين أخطر على الأمة من غياب العالم نفسه .
لطــيفتان
1- نقل البخاري عن ربيعة الرأي (_ ) قوله : » لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه . « ([5])
يعقب ابن حجر على كلام ربيعة : » ومراد ربيعة أن من كان فيه فهم وقابلية للعلم لا ينبغي له أن يهمل نفسه ، فيترك الاشتغال ، لئلا يؤدي ذلك إلى رفع العلم ، أو مراده الحث على نشر العلم في أهله لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدي إلى رفع العلم ، أو مراده أن يشهر العالم نفسه ، ويتصدى للأخذ عنه ، لئلا يضيع علمه ، وقيل مراده تعظيم العلم، وتوقيره ،فلا يهين نفسه بأنه يجعله عرضة للدنيا. « ([6])
2- من علامات قبض العلم ورفعه عدم الاستفادة منه في الحياة العملية ، وهذا المعنى أشار إليه النبي r في حديث أبي أمامة من عدم انتفاع الأمة بالقرآن كما لم ينتفع اليهود والنصارى من التوراة والانجيل ، وهذا فيه إشارة إلى حالة فصل بين الجانب التثقيفي ، والجانب التطبيقي ، وإذا لم يترجم العلم في الواقع أصبح حجة على حامليه ، وأصبح كالمقبوض أو المرفوع حكماً ، أو يصبح مثل حامله كحمار يحمل أسفاراً ، وهذا المعنى أشارت إليه بعض الروايات بأن من علامات الساعة أن يكون الزهد رواية ؛ أي يقتصر على جانب ذكره لا تطبيقه ، وفي بعض الآثار أن عبادة بن الصامت t قال لجبير بن نفير بعدما حدثه حديث رفع العلم عن أبي الدرداء t : » صَدَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِنْ شِئْتَ لَأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الْخُشُوعُ يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ فَلَا تَرَى فِيهِ رَجُلًا خَاشِعًا. « ([7])
فالخشوع حالة قلبية ، وقد جاء تسميته بالأثر بأنه أول علم يرفع ، وفي ذلك إشارة إلى أن حقيقة العلم في نوره ، ونوره في تطبيقه ، فإذا نزع التطبيق من الأمة قبضت حقيقة العلم من حياتهم .
وعلى هذا الوجه يمكن القول بأن قبض العلم حكماً قد بدأت إرهاصاته من عهد طويل .
كذلك من أشكال قبض العلم طلب الدنيا به ، أو تحويله مطية لأصحابه يستأكلون به العاجل بالآجل ،يقول الله سبحانه وتعالى : } وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ { ([8])
وهذا التوجه مما ابتليت به الأمة ، وهو من أخطر أمراضها ؛ لأن العلماء مؤتمنون على الدين ، والأصل فيهم ألا يبتغوا بعلمهم إلا وجه الله ورفعة دينه ، إضافة إلى توجيه الناس من الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية ، فهذا هو المعنى الأهم الذي ورثه العلماء من الأنبياء ؛ فإذا غاب هذا المعلم على من ائتمن عليه فهذه هي الطامة الكبرى ، ويترتب على ذلك أن من عنده آثارة من علم ، فإنه سيجتهد في استثمارها لنيل مآربه من الدنيا ؛ وتوظيفها لهذا الغرض ، فيستحل بها الحرام ، ويتتبع الرخص ، ويصرف الناس باسم العلم
أو الدين عن المعالم الحقيقية لدين الله مزينا لهم دنياهم ، مفسداً لهم آخرتهم .
وقد أعجبتني رسالة أوردها الإمام الدارمي لعباد بن عباد الخواص الشامي (_ ) وجهها لأهل العلم اخترت منها قوله : » .. اتقوا الله فإنكم في زمان رق فيه الورع ، وقل فيه الخشوع ، وحمل العلم مفسدوه فأحبوا أن يعرفوا بحمله ، وكرهوا أن يعرفوا بإضاعته فنطقوا فيه بالهوى ، لما ادخلوا فيه من الخطأ وحرفوا الكلم عما تركوا من الحق إلى ما عملوا به من باطل . فذنوبهم ذنوب لا يستغفر منها ، وتقصيرهم تقصير لا يعترف به ، كيف يهتدي المستدل المسترشد إذا كان الدليل حائرا ، أحبوا الدنيا وكرهوا منزلة أهلها ، فشاركوهم في العيش وزايلوهم بالقول ، ودافعوا بالقول عن أنفسهم أن ينسبوا إلى عملهم ، فلم يتبرءوا مما انتفوا منه ولم يدخلوا فيما نسبوا إليه أنفسهم « ([9])
أقول : سبحان الله ! كلمات معبرة تحكي بعض أهل العلم في خير القرون _ القرن الثاني للهجرة - كما يرى عباد بن الخواص ، فكيف بحالنا في هذا العصر وماذا نقول عن أهله ؟ وماذا نقول عن أنفسنا ؟ نسأل الله العفو والعافية .مدونة غلا الروح |
|
✿ |
|