عرض مشاركة واحدة
قديم 03:10, PM 13-03-2025   #1
الصورة الرمزية أسامة العيسة

أسامة العيسة

فلسطيني حـر
المشاركات: 305

أسامة العيسة غير متواجد حالياً

افتراضي تمارا امرأة أسطورية/ إياد شماسنة

مدونة غلا الروح






تمارا امرأة أسطورية تعيد كتابة التاريخ الفلسطيني وتكسر الحدود الثقافية




"الإنجيل المنحول لزانية المعبد".. ميثوبيا ترفع الذاكرة ضد النسيان والحقائق ضد التضليل.


الاثنين 2025/03/10
مثلت صناعة الأساطير في الفن والأدب أو ما يسمى بالميثوبيا توجها كاملا لبناء سردية لها أركان قوية خاصة وأنها تذوب التاريخ والأساطير في مساحة خيالية، وقد مثلت أيضا توجها هاما للدفاع عن الإنسان ضد الاستعمار والمحو والتزييف، وهذا ما نلتقطه في رواية أسامة العيسة “الإنجيل المنحول لزانية المعبد.”



تعتبر رواية “الإنجيل المنحول لزانية المعبد” من الأعمال الأدبية الفلسطينية التي تمثل استكشافًا دقيقًا لأساطير وشخصيات تاريخية كنعانية، مقدمة تجربة روائية غنية وذات أبعاد فلسفية تتجاوز السرد السطحي، حيث يعيد الكاتب أسامة العيسة تقديم رؤية جديدة للموروث الفلسطيني، ويعمل على خلق ميثوبيا فلسطينية تحمل في طياتها الكثير من المقولات الثقافية والسياسية.

يُعد هذا العمل تجربة متميزة في الأدب الفلسطيني المعاصر، وتعتبر رواية مؤسسة تنتمي إلى ميدان الأدب الذي يعتمد على خلق الأساطير وإعادة إنتاجها، بما يتماشى مع تقاليد الميثوبيا، هذه الرواية التي صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر تتميز بعناصر سردية معقدة، وتطرح تساؤلات حول الهوية والذاكرة والتاريخ الفلسطيني.

الميثوبيا الفلسطينية



الرواية تسلط الضوء على الزمان والمكان بشكل متناغم يعكس الترابط العميق بين تاريخ فلسطين والجغرافيا الفلسطينية

قبل الغوص في التفاصيل السردية والرمزية للرواية، من الضروري توضيح معنى الميثوبيا وموقعها في الأدب الفلسطيني. تُعرّف الميثوبيا بأنها عملية خلق الأساطير، حيث يسعى الكاتب إلى بناء أو إعادة بناء أسطورة أو سرد تاريخي يعكس رؤيته وتصوراته الخاصة، سواء كانت أسطورة مستوحاة من التاريخ أو من خياله. قد يبدو هذا المصطلح غريبًا على القارئ، ولكن عندما نربطه بالتجربة الأدبية لأسامة العيسة، تتضح الأبعاد الثقافية التي يستهدفها من خلال تشكيله لأسطورة فلسطينية جديدة.

بدأ استخدام المصطلح في ثلاثينيات القرن العشرين بواسطة ج. ر. تولكين، مؤلف ثلاثية ملك الخواتم، ليُستخدم لاحقًا في الأدب الحديث للإشارة إلى خلق أساطير وأبطال خياليين. وفي الأدب الفلسطيني، تُعتبر الميثوبيا وسيلة لإعادة النظر في التراث الفلسطيني وتقديمه بصورة متجددة، حيث لا تقتصر على سرد الأحداث التاريخية المعلومة، بل تخلق عالمًا متكاملًا جديدًا يعكس الصراع الفلسطيني مع القوى الاستعمارية، ويقدم قضاياه من خلال رؤى أدبية تستلهم الأساطير القديمة.

الرواية أكثر من مجرد سرد لحكاية تمارا، البطلة الكنعانية التي تُحاك الرواية حول حياتها ومعاناتها. بل هي محاكاة لأسطورة قديمة، تُعيد للعالم الصورة الكنعانية من خلال شخصية تمارا، امرأة قوية ترفض أن تكون مجرد جزء من تاريخ مستهلك ومغيب. في عالم الرواية، تمارا ليست مجرد زانية في معبد؛ هي رمز للثورة، ولإعادة بناء الهوية الفلسطينية التي عانت من التشويه والإخفاء عبر العقود.

تُسلط الرواية الضوء على علاقة تمارا بمعابد كنعان، تلك الأماكن التي كانت تشهد طقوسًا دينية تخص عبادة عشتار، إلهة الحب والحرب عند الكنعانيين. وعلى الرغم من أن الرواية تقدم وجهة نظر الأنثى في هذا السياق التاريخي، إلا أنها تتجاوز الأبعاد الجندرية لتتطرق إلى أبعاد أخرى تتعلق بالصراع الفلسطيني مع رواية الآخر، تلك الرواية التي تسعى إلى محو هوية الشعب الفلسطيني.

في “الإنجيل المنحول لزانية المعبد”، يلعب النزاع التاريخي بين العبرانيين والكنعانيين دورًا محوريًا. وتُقدّم الرواية هذا النزاع ليس فقط من خلال الصراع التاريخي بين الديانات، بل أيضًا من خلال التفاعل الاجتماعي والسياسي بين الشخصيات. الكنعانيون، بمن فيهم تمارا، يتحدون الرواية العبرانية التي حاولت طمس التاريخ الفلسطيني القديم، وتقديم أنفسهم كأصحاب الأرض الشرعيين.

يستحضر العيسة شخصيات كنعانية تشكل بؤرة الرواية، ويبني من خلالهم ميثولوجيا جديدة تُحاكي ما يمكن أن نعتبره الميثولوجيا الفلسطينية. الرواية تُظهر تمارا كرمز للأنثى الفلسطينية التي تحمل همًّا تاريخيًا ومعنويًا، متمردة على الأدوار التقليدية التي حُبِست فيها عبر العصور. ومع تحول السرد إلى محاكمة تمارا بسبب “فعلها” المقدس في معبد عشتار، فإن الرواية تطرح العديد من التساؤلات حول العدالة، والشرف، والهوية.

إحدى أبرز المزايا التي تقدمها رواية العيسة هي قدرتها على استحضار الماضي الكنعاني وتقديمه من خلال سياق فلسطيني معاصر. ولعل في ذلك إشارة مباشرة إلى العلاقة العضوية بين الأرض والشعب الفلسطيني، حيث أن الرواية تسلط الضوء على الزمان والمكان بشكل متناغم يعكس الترابط العميق بين تاريخ فلسطين والجغرافيا الفلسطينية. ويُستخدم في الرواية العديد من الأساطير الكنعانية التي تربط الماضي بالحاضر، فتظهر تمارا كأيقونة ثورية، تشارك في صراع مستمر لتثبيت حضورها وهويتها في مواجهة محاولات المحو والتشويه.

العيسة، من خلال هذا البناء السردي، لا يقتصر على إعادة سرد التاريخ، بل يقدم إعادة إحياء له، مستفيدًا من أدوات الميثوبيا التي تدمج بين أساطير العالم الحقيقي والخيالي. ومن خلال هذه الرواية، لا يقتصر العيسة على تقديم سرد تاريخي جاف، بل يقدم صورة مفعمة بالحياة عن فلسطين والأبطال الذين سكنوها.

الأنوثة والمقاومة



إحدى أبرز المزايا التي تقدمها الرواية قدرتها على استحضار الماضي الكنعاني وتقديمه من خلال سياق فلسطيني معاصر

تمارا ليست مجرد شخصية نسائية تقليدية؛ بل ترمز للمقاومة الفلسطينية في أبهى تجلياتها. في الرواية، تصبح تمارا قائدة لمقاومة التاريخ الذي حاول تهميش دور النساء في بناء الهوية الفلسطينية. تُقدّم لنا تمارا في إطار صراعها مع الشخصيات العبرانية، وصراعها مع النظام الأبوي، ورفضها لأن تكون ضحية في مسرح كبير تحكمه القوى العظمى.

مقاومة تمارا تبدأ من تحطيم الهويات المغلوطة التي أُلبست عليها، حتى أنها ترفض أن تكون جزءًا من القصة التي يحكيها الآخرون، لتعيد كتابة تاريخها من منظورها الشخصي. يُظهر العيسة تمارا كامرأة معقدة، تتمازج فيها الطقوس القديمة مع قوة الشخصية الحديثة. تُقدّم هذه الشخصية تمارا كأنثى فلسطينية قادرة على قلب موازين القوى، بل وتهديد السرد المضاد الذي يسعى لتصفية الذاكرة الفلسطينية.

عنوان الرواية يحمل طابعًا جدليًا استثنائيًا، وهو بمثابة دعوة للتساؤل وإعادة التفكير في الكثير من المفاهيم الدينية والتاريخية، الإنجيل المنحول يشير إلى انقطاع عن السرد التقليدي، ويطرح رؤية جديدة للكتاب المقدس والتاريخ الديني. كما يثير تساؤلات حول مفهوم الأبطال والمجاهدين والأنبياء في التاريخ، وكيف يمكن أن يكون للضحية الصوت الأقوى في رواية العالم.

العنوان تحدٍ مباشر للرواية الكبرى التي صاغها التاريخ وفرضها الاحتلال، كما أنه يشير إلى كيف يمكن لتاريخ الاحتلال أن يكون محرفًا، شأنه شأن الأناجيل المحرفة التي تتغير وفقًا للغرض السياسي.

من خلال إعادة كتابة الأساطير الفلسطينية، يسعى العيسة إلى تقديم مشروع ثقافي يتجاوز الروايات السائدة التي تفرضها القوى الاستعمارية، ليفتح المجال أمام الرواية الفلسطينية الجديدة التي لا تسعى إلى البكاء على الأطلال بل تسعى إلى بناء أفق جديد للهوية الفلسطينية في الأدب العالمي. وتقدم الرواية بعدًا فلسفيًا نقديًا حول معركة الذاكرة مقابل النسيان، ومعركة الحقائق ضد التضليل التاريخي.

بذلك، تكتسب رواية العيسة مكانتها الخاصة في الأدب الفلسطيني باعتبارها عملاً أدبيًا يتجاوز حدود الأدب التقليدي إلى إنشاء ميثوبيا فلسطينية جديدة، تعكس تاريخًا وأيديولوجيا وفكرًا حضاريًا يعيد تأصيل الهوية الفلسطينية في مواجهة المحاولات المتكررة لمحوها.

إن “الإنجيل المنحول لزانية المعبد” ليست مجرد رواية عن تمارا أو معركة بين الكنعانيين والعبرانيين؛ هي دعوة حية لإعادة النظر في الأساطير التي أسست الهوية الفلسطينية، ورؤيتها الثقافية والتاريخية. من خلال هذه الرواية، يُعيد أسامة العيسة صياغة الأساطير الفلسطينية، مقدماً لها بعدًا جديدًا يمكن أن يكون نقطة انطلاق لفهم أعمق للتاريخ الفلسطيني وأبعاده الفلسفية، السياسية، والاجتماعية.









ShareWhatsAppTwitterFacebook













مدونة غلا الروح